سيزيف مصري

في الأسطورة الأغريقية، سيزيف في الجحيم وعقابه أن يرفع صخرة من القاع حتي قمة جبل شاهق، وقبل أن يصل بقليل تسقط منه لأسفل، فيعود ليبدأ من جديد، بلا نهاية. ما أشبه ذلك بنا، أولادك يا بلدي

Friday, January 11, 2008

النقاب والتخلف وبيناظير بوتو

النقاب والتخلف وبيناظير بوتو
...
1
فكرة الطوفان تقل الكثير من الجاذبية بمرور الوقت، فتشعر بأن الحل الوحيد هو إعادة الخلق من جديد

الطوفان، للفنان الفرنسي جوستيف دوريه 1832-1883
...
2
-
أنا لو عارف إنك قومتي عشان تقعديهم عشان فيهم واحدة منقبة ماكنتش قمت
-
وإيه المشكلة يعني؟
-
عشان بتصرفك ده بترسخي لمفهوم إنها أفضل من غيرها لأنها أكثر تديناً حتي من اللي لابسه الحجاب زيك، فتستحق إن الواحد يقوم
-
وفي إيه لما واحدة تكون عايزة تحْجِب نفسها؟ وإنت ليه يعني ما بتاخدش الموقف ده من اللي لابسه قصير ولا مايوه؟ إنت كده اللي متخلف
المفروض إن كل واحد حر
تبقي إيه المشكلة عندي لما واحدة تكون عايزة تخفي نفسها وتلبس النقاب؟ وهل المفروض إني أخد نفس الموقف من اللي لابسه ما يظهر أكثر مما يخفي، باعتباره الوجه الآخر من التطرف؟
والسؤال الأهم، هل فيه علاقة بين النقاب والتخلف؟
نحاول الأول نعرّفهم
أما النقاب فمعروف: زي إسلامي يغطي كل جسد المرأة وكذلك وجهها، عدا العينين. وأحياناً ما يغطي العينين أيضاً. لونه أسود في الغالب. ينتشر أكثر في بلاد الخليج، وبدأ ينتشر في مصر في الخمس سنوات الأخيرة. ويعتبر أكثر تزمتاً في الإخفاء من الإسدال (زي إيراني واسع من قطعة واحدة يغطي كل جسد المرأة عدا وجهها، وأحياناً اليدين)، الذي بدأ في الانتشار في مصر مؤخراً (علي أن هذا ليس له علاقة بانتصارات نصر الله وأحمدي نجاد في المفهوم الشعبي).ه
أما التخلف فمعروف أيضاً، وحسبما نفهم من لسان العرب للشيخ ابن منظور، فهو الفشل في اللحاق بمن هو أسبق، أو عدم الحضور في موعد ما، أو أن يتركك الأخرون ولا يأخذوك أو ينتظروك، فتكون في كل تلك الحالات، متخلف
وفيما يتعلق بزي المرأة، من منظور إسلامي، أو عورة المرأة وبالتالي ما ينبغي عليها إخفاؤه، فهناك مستويات عديدة من الإخفاء فبالنسبة للمحافظين، علي المرأة إخفاء كل جسدها ما عدا الوجه والكفين، ويزيد البعض علي ذلك، فيكون الإسدال و كذلك ما يسمي "الخمار" في مصر فيظهر الوجه والكفين ولكن مع المزيد من الصرامة في إخفاء بقية الجسد وكيفية هذا الإخفاء، ويزيد البعض أيضاً علي ذلك، فيأتي النقاب ليخفي كل ما يمكن اخفاؤه، ويترك العينين أحياناً لما قد ينشأ من مشاكل إذا تم تغطيتهما. المهم أنه في كل حالة هناك من الأدلة من القرآن أو السنة ما يدعم هذا الاختيار أو ذاك
أما ذلك المستوي من الإخفاء أو الإظهار الذي يجادل في أن الحجاب مجرد عادة اجتماعية وليس دينية فليس له ما لتلك المستويات من حظ
فبجانب مشكلة تلك الآيات في القرآن الكريم وتفسيرها الشهير الذي يجعل فرض الحجاب فكرة لا يمكن تجاهلها، توجد مصلحة دائماً في تبني هذا التفسير، مثل استخدم الحجاب كرمز لثقافة أو تدين، أو حاجة مجتمع مليء بالتشوهات لإخفاء الأنثى لتقليل احتمالات إثارة الذكور الذين تأكلهم ثقافة الحرمان.
ويدعم ذلك المستوي حكاية تاريخية واحدة عن الخليفة عمر ابن الخطاب، يمكن البحث عنها بسهولة علي جوجل أو غيره (لمن يريد الفائدة)، مفاداتها (كما يذكر، مثلاً، كتاب طبقات ابن سعد الجزء السابع ص ١٢٧، وسنن البيهقي الجزء الثاني ص ٢٢٧) أن عمر بن الخطاب أمير المؤمنين كان يطوف في المدينة فإذا رأى أمة (جارية) محجبة ضربها بدرته الشهيرة حتى يسقط الحجاب عن رأسها ويقول: "فيما الإماء يتشبهن بالحرائر." أي أن عمر بن الخطاب فهم الحجاب على أنه للتمييز بين الحرة والأمة كما تقول آية سورة الأحزاب، "ياأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما". ولم يعارض تصرفه صحابي واحد
بمعني آخر أنه كان هناك هذا التمييز بين الأمة والحرة في ارتداء الحجاب، بما يشير إلي أنه لم يكن فرضاً علي المرأة المسلمة بغض النظر عن الطبقة التي تنتمي لها. ويمكن كذلك (للمزيد من الفائدة) قراءة محاولات أهل العلم للرد علي ذلك الرأي الذي ينبني علي تلك الحكاية التاريخية
نعود للنقاب. هل هناك علاقة بينه وبين التخلف كما عرّفناه؟ هناك صورة أجدها تربط بين كل معاني التخلف السابقة
المقعد الخالي للمتخلف الذي لم ينتظره الآخرون، مكانه في الصف الذي لم يشغله لأنه لا يريد أو لأنهم سبقوه، حضوره المفترض في موعده والذي لم يحدث. في كل تلك الحالات هناك الحضور والغياب في نفس الوقت، الحضور المفترض أو الذي كان ينبغي، والغياب الذي حدث لأسباب مختلفة، هذا الارتباط بين الواقع وما كان ينبغي أن يكون هو جوهر تلك الكلمة
نفس تلك الثنائية أراها في زى النقاب. ذلك السواد ليس محاولة لإخفاء المفاتن، بل الجسد كله، الحضور كله. إنها ليست موجودة. ولكنها في نفس الوقت موجودة، يجب ألا تلمسها أو تنظر لها. إنها إمرأة، جسد تحب أن تراه، ولكن لن تري حتى أقل القليل
ولكن أظن أن المعني الأهم للتخلف في سياق الحديث عن النقاب هو ذلك المعني الدارج، الذي يشير إلي نقص في الثقافة أو التحضر الرجعية وفقر الثقافة. ولكن يتضح بالمشاهدة أنه ليست كل دوافع ارتداء النقاب دينية، فهي أحياناً اجتماعية. فمن التي تضطر لارتدائه لضغوط مختلفة (زوجها، والدها، الخ) إلي التي ترتديه لتمنع زيارات الذكور الغير مرغوب فيهم لبيتها (أقارب زوجها، أصدقاؤه، الخ) والتي ترتديه لتتخفي أو لجذب تعاطف المتدينين (بائعة متجولة أو متسولة). ولكن ماذا عمن "يؤمن" بأنه فرض؟
لدينا في الإسلام ثقافة "الفتاوي المتعددة". في الأمور التي لايوجد فيها نص صريح وتخضع للتأويل أوالرأي، يمكن للمرء أن يسأل أياً من أهل العلم، وأي رأي يجتهد فيه العالم ثم يعطيه، صحيح. وفي حالة تعارض الفتاوي بين العلماء بخصوص نفس الأمر، فكل أرائهم صحيحة، ولا يأثم من يأخذ بأيها، واستفتي قلبك
ما الذي يمنع أن يحدث هذا في التفسير كذلك؟ التفسيرات المتعددة للآيات التي لم يتحدث النبي (ص) بتفسيرها، ومعناها ينقصه الوضوح؟
هل يمكن القول أن الحائل الذي يمنع المرأة من التواصل اجتماعياً، ويرسخ لفكرة أن المرأة مجرد جسد، ويعطي انطباعاً بتزمت عقائدي أو ثقافة رفض الآخر، في عصر العولمة الذي نعيشه ويعيشنا، خطوة للوراء؟ إلي عصر فاتنا أن نعيش فيه، فنحاول استدعاؤه، فيصير هو الحل بدلاً من التعامل مع الواقع؟
3

ما سر هذا التعاطف الذي امتلك كل الناس بعد اغتيال بيناظير بوتو (أو بوناظير)؟ من يعرفها ومن لا يعرفها؟ه
..
إلي درجة دفعت بعض الناس أن تنوه عن العلاقة بين بوتو والغرب أو إسرائيل وكيف أنها تستحق ما حدث، أو علي الأقل لا تستحق التعاطف. موقع لداعية دبني معروف اسماها "بالهالكة"، في سخرية من أولئك المتعاطفين السذج، الذين لا يعرفون
..
وكان مسلح قد أطلق عليها النار قبل أن يفجر نفسه ويقتل حوالي 20 شخصا آخر، في 27 ديسمبر الماضي
في رأيي أن تلك المشاعر سببها أنها ببساطة، إمرأة ومن باكستان
..
مقارنة بسيطة بين الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين باكستان ذات الأغلبية المسلمة وجارتها الهند ذات الأغلبية الهندوسية التي يبلغ عدد سكانها أضعاف أضعاف سكان باكستان يوضح إلي أي مدي أن باكستان متخلفة
. وجود إمرأة تتحدي التخلف والرجعية التي تعتقد بأن المرأة كائن أقل بالطبيعة، كان هو الذي استفز من قتلها، ومن تعاطف معها كذلك. وهذا التحدي موجود بمجرد قيامها بدورها السياسي في دولة إسلامية متخلفة مثل باكستان، بينما هي إمرأة
..
كان لا بد أن تختفي. الدولة الآن، بدون زعيمة سياسية أنثي "أفضل". بدون عورة
هل الأمر سياسي وليس جنسي (كان سيتم اغتيال زعيم حزب الشعب الباكستاني حتى لو كان رجل)؟ ربما
لكن لماذا؟ لأن الانتخابات أو الديمقراطية ستجعل زعيم الحزب هذا يصل للحكم؟ أجد صعوبة في تصور رفض بهذه الوحشية (قتل أكثر من 20 ثم انتحار) إذا كانت المشكلة في الحزب فقط، وليس جنس زعيمه/زعيمته
..
فكرة الطوفان تقل الكثير من الجاذبية بمرور الوقت، فتشعر بأن الحل الوحيد هو إعادة الخلق من جديد