سيزيف مصري

في الأسطورة الأغريقية، سيزيف في الجحيم وعقابه أن يرفع صخرة من القاع حتي قمة جبل شاهق، وقبل أن يصل بقليل تسقط منه لأسفل، فيعود ليبدأ من جديد، بلا نهاية. ما أشبه ذلك بنا، أولادك يا بلدي

Saturday, December 27, 2008

جاري يا حمودة

جاري يا حمودة حمووودة

ويا جاري جبار عليا يا مّا يا جاري جبار عليا يا مّا
ناس تبات ارقودة ارقودة
وأنا نومي حرُم عليا يا مّا وأنا نومي حرُم عليا يا مّا

حمودة يا جاري يا جااااري
وإنت الي مشعلّي ناري يا مّا إنت الي مشعلّي ناري يا مّا

يا ريتك تسكن داري في داري
ومثل الشمعة ضوي عليا يا مّا مثل الشمعة ضوي عليا يا مّا

يا ليلي يا ليلي يا ليل ليلي يا ليلي يا ليل
ليلي يا ليل آه يا عيني يا يا يا يا ليل يا ليلي يا ليل
يا ليل يا ليل يا ليل يا ليل

يا شاري تُفاحة تفاااحة
وما تشريشي بالفرديا ياما ما تشريشي بالفرديا ياما
اشري جوز ملاحة ملاحة
واحده ليك وواحدة ليا يا ما واحده ليك وواحدة ليا يا ما

جاري يا حمودة حمووودة

يا جاري جبار عليا يا مّا يا جاري جبار عليا يا مّا
ناس تبات ارقودة ارقودة
وأنا نومي حرُم عليا يا مّا وأنا نومي حرُم عليا يا مّا

http://www.youtube.com/watch?v=89_8LADUetA

Saturday, December 06, 2008

مسلمون ومسيحيون وكائنات أخرى

مسلمون ومسيحيون وكائنات أخرى!

1


عندما تشتري جارتنا "أم علي" العطارة ولوازم الطهي من "رزق" المسيحي، ولا تشتريها من الشيخ "محمد"، فهذا سلوك علماني.

ولكن ليس الأمر بهذه البساطة. هي تفعل هذا لأن البضاعة الأجود والخدمة الأفضل عند الأول، ولم يدفعها اشتراكها في الدين مع الثاني إلي تجاوز تلك المفاضلة العملية، واختيار الشيخ "على عيبه". على أن الأمر يختلف لو تصورنا تساوى الاثنين في مستوي الخدمة وجودة البضاعة، وفي بعدهما عن بيتنا؟! وأعلم أنها ستنزعج من الكلمة "علماني"، خاصة في هذا السياق الذي يصف سلوكاً لها، فالوعي الشعبي لدينا مشحون ضد الكلمة ويلصق بها ويرادفها بأشياء كثيرة خارج حدوده، أولها الإلحاد.

ونقرأ في صحيح الإمام مسلم، عن أنس وعائشة أن « رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- مَرّ بِقَوْم يُلَقِّحُونَ. فقال: لو لم تفعلوا لَصَلُحَ قال: فخرج شِيصا. قال: فمرَّ بهم. فقال: ما لِنَخْلِكم؟ فقالوا: قلتَ كذا وكذا. قال: أنتم أعلم بأمر دنياكم». صحيح مسلم (4/1836، رقم 2363)

أي أن النبي (ص) قال رأيه في شيء خارج حدود علمه، رأياً شخصياً ليس مصدره الوحي، وعندما أخذ الزارعون برأيه لم يثمر النخل في هذا العام لأنه لم يُلقّح كما كان يحدث في المعتاد. وكان تعليقه، "أنتم أعلم بأمر دنياكم". والجدير بالتأمل أن الإمام مسلم وضع هذا الحديث تحت باب اسماه "وجوب امتثال ما قاله الرسول شرعا، دون ما ذكره من معايش الناس" أي أن ما يتعلق بشؤون الدنيا لا يتوجب الامتثال به.

قد يصدم البعض حين نقول له أن هذا يعني أن هناك "حقائق" أو "مسائل" أو "أمور" لا نستطيع أن نعلمها أو نجدها في القرآن والسنة! فالفكرة الشعبية السائدة - والتي توجد في بعض خطابات دعاة اليوم – هي أن هذا الكتاب لم يغادر صغيرة ولا كبيرة (وهي فكرة مبنية على اقتطاع لجملة عن سياقها بشكل جعلها تعني ما لا تعنيه، وردت في سورة الكهف الآية 49).

فتلك المعلومة التي لم يكن النبي يعرفها في تلك الحادثة تجدها مثلاً في كتاب بسيط عن تكاثر النباتات أو عن زراعة النخيل ولكن بالتأكيد ليس في القرآن، فمن المفهوم أن الوحي لم ينزل بكل شيء. ولكن بالتأكيد كذلك أن هؤلاء الزارعين في المدينة لم يكونوا بحاجة لكتاب لمعرفة هذا. فالمعرفة التي تكتسبها الجماعة عبر الزمن وتتناقلها جيل بعد جيل، يتم حفظها عبر وسائل الحفظ المتاحة، بالكتابة أحياناً و بالرواية الشفهية في أحيانٍ أخرى.

ولنكن أكثر جرأة فنقول أن هؤلاء الزارعين أصابهم أذى ما وقتها، اقتصادياً، عندما لم يثمر نخيلهم في هذا العام. وما السبب؟

السبب هو أنهم آمنوا بأنه في معرفة النبي (ص) والوحي الذي يأتيه، ما يمكن أن يغنيهم عن المعارف الأخرى التي لم يكن مصدرها "السماء" وإنما "العلم" أو فلنقل "الخبرة الإنسانية". لهذا أخذوا ما سمعوا من النبي (ص) دون إعمال للعقل. ونتفهم بالطبع أن تصرفهم هذا طبيعياً، أعني اعتماد كلام النبي (ص) دون مراجعة.

ولكن كان النبي وقتها بينهم ليخبرهم بتلك الحقيقة التي أشبه بالاعتذار "أنتم أعلم بشئون دنياكم". أما الآن، فلم يعد يسير بيننا. ويعني هذا أنه هناك احتمال لحدوث أذى آخر بتبني هذه الفكرة الخاطئة، أن القرآن (والسنة) لم يغادر(ا) صغيرة ولا كبيرة، فيجب أن يكون لدينا معايير واضحة لما يجب أن نأخذه من نصوص الدين، وما يجب أخذه من مصادر المعرفة الإنسانية الأخرى.

وهكذا تلتقي التعريفات الأساسية للعلمانية "فصل الدين عن الدولة" أو "عدم الحكم على النسبي بما هو مطلق" حول هذه الفكرة، أن هناك ما يجب أخذه من الكتب المقدسة (طقوس وشعائر العبادة، وغيبيات، ...الخ) وهناك (الزراعة، السياسة ...الخ) ما نجد له مصادر أفضل منها، وهذا لا ينتقص من الكتب المقدسة في شيء
.
2

هل النصوص المقدسة (الآيات القرآنية كمثال) موجودة من أجل خدمة الإنسان، أو أن الإنسان موجود لخدمتها، أي تنفيذها وتفعيلها؟
سؤال مركزي عند الحديث على أمر العلمانية.

قد يختلف البعض حول تفسير آيات القرآن الكريم، وحتى حول النداء باعتبار (القرآن) دستوراً المسلمين. ولكلٍ منطقه. ولكن لن يختلف أحد المسلمين على مبدأ شديد الرسوخ في الثقافة الإسلامية: يجب تطبيق أحكام الحدود التي ذكرت في القرآن. جاء بها الوحي لنطبقها. نقطة، وانتهي.

حادثة تاريخية نذكرها. في خلافة عمر بن الخطاب، اشتدت المجاعة والقحط في السنة ال 17 للهجرة واستمرت لتسعة أشهر. وسمي العام بعام الرمادة، وقيل لأن الأرض اسودت من قلة المطر حتى عاد لونها شبيها بالرماد. في هذا العام، لم يطبق أمير المؤمنين على السارق حد السرقة (قطع اليد طبقاً للآية القرآنية، 38 سورة المائدة). يسهب الفقهاء في وصف الظروف وقتها وكيف أنه – عمر – قد اجتهد. ولكنهم لا يرفضون المبدأ، بل على العكس، يسوقونه في اعتزاز كدلالة على مناسبية الدين لكل الظروف وقابليته للمرونة ليتماشي مع محن كل وقت.

ولكن دعونا نتأمل ما حدث، بدون محاولة أخذ موقف معه أو ضده. مع الأخذ في الاعتبار أن الخلفاء الراشدين، وعمر بن الخطاب بالذات، توضع في المرتبة الثانية بعد النبي (ص)، وقبل سائر الصحابة وكذلك الأئمة الأربعة. في ظل تلك الواقعة، نتبين أن عمر بن الخطاب قد تصرف على أن النص موجود لخدمة الإنسان لا العكس. فلو أن النص أو الآية أو الحُكم هو ما يعنينا لتم تنفيذه بغض النظر عن الظروف. ولكنه لخدمة الإنسان – أي أنه لو اكتشفنا أنه لا يخدمنا في وقت ما، فلا يلزم التمسك به! وتصير فكرة أنه "مجرد" نموذج يمكننا تبنيه أو تصميم ما شابهه أو التعلم منه، فكرة جديرة بالتأمل.
حسناً، سلوك عمر بن الخطاب هذا، الذي قد يصفه البعض بأنه مستنير أو واقعي، أصفه أنا بتلك الصفة التي ربما لم تعد مفاجئة: علماني.

ربما لن تنزعج جارتنا "أم علي" من الكلمة الآن
!

3

عندما كنت في السادسة عشر كتبت له رسالة لكنني لم أرسلها له أبداً. كان في نظري وقتها الشخص الوحيد الذي يمتلك المعرفة: العلم والإيمان معاً. ورغم أنه المسئول عن فتح هذا الباب في مرحلة ما، ببرنامجه الشهير في التليفزيون المصري في الثمانينات، والذي قفزت منه بعدها عفاريت العلبة في أوجهنا وأوجه العالم، إلا أني لازلت أقدره كباحث عن الحقيقة لا يدّعي امتلاكها، مقارنة بـ د. زغلول النجار مثلاً. أعني بالطبع د. مصطفي محمود. وهذا الملمح الأخير عنه قرأته فيه بعد كتابه "الشفاعة" (1999) والذي أهاج عليه الدنيا وربما هو الذي جعله يعتزلها، رغم أن نهجه كان بحثياً والتفسيرات التي قدمها كانت محاولات لإزالة تناقض رآه.

في رسالتي كنت أطرح عليه أول المشكلات المنطقية التي قابلتني فيم يتعلق بالعقيدة. قلت له أني كمسلم ليس لي يد ولا فضل في اعتناقي هذا الدين. إنهما والديّ. تربيت عليه فآمنت. ولم أقرأ في الأديان الأخرى، لأن ديني – كما الحال في أي دين آخر – لم يطلب مني أو حتى يثني على من يفعل هذا – بل العكس (ورد في صحيح البخاري أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ ـ رضى الله عنهما ـ قَالَ كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَىْءٍ، وَكِتَابُكُمُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحْدَثُ، تَقْرَءُونَهُ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ وَقَدْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بَدَّلُوا كِتَابَ اللَّهِ وَغَيَّرُوهُ وَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمُ الْكِتَابَ وَقَالُوا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ‏.‏ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً، أَلاَ يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنَ الْعِلْمِ عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ، لاَ وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا مِنْهُمْ رَجُلاً يَسْأَلُكُمْ عَنِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ‏).

كان من الممكن أن أكون مسيحياً أو يهودياً أو...أو...لو كان أبي أو أمي غير ذلك. ففي العالم الذي نحيا فيه، الدين بالوراثة دائماً. وبحكم كوني مسلماً، فلا يطلب مني سوي أن أعمل الأعمال الصالحة وأقوم بالعبادات. عندها أكون أقرب لأن أستحق جنة الله، أو رحمته فيدخلني إياها. (قال أبو ذر أن النبي (ص) قال: "أتاني جبريل فبشَّرني: أنه من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة". قلت: "وإن سرق وإن زنى؟" قال: "وإن سرق وإن زنى." البخاري 6956)
لكن ماذا عمن هو "غير مسلم"، إذا مر بنفس الظروف – ولد لأبوين غير مسلمين، ولا يأمره دينه بقراءة الأديان الأخرى، ويقوم بالأعمال الصالحة والعبادات في دينه؟

الموضوع الثاني هو إذا كانت الحياة الدنيا ما هي إلا متاع الغرور، كما في القرآن، وأنه بعد هذه السنوات القليلة ستكون هناك حياة أبدية لا تقارن بالدنيا، وإذا كان الله يعلم بالأشياء قبل حدوثها وكل العلم لديه منذ الأزل، فلماذا يخلق أهل الكفر أو الشر، ليعيشوا تلك الحياة القصيرة ويقترفوا الشر في العالم، وبعد ذلك يعذبهم إلي الأبد؟ ألم يكن من الأفضل ألا يخلقهم من الأصل ما دام يعلم بمصيرهم؟ أليس هذا أقرب للرحمة؟ سمعنا عمن قرر ألا ينجب للدنيا أولاداً رحمة بهم من عالم لا يعاش. نتحدث هنا عن رحمة الخالق. (عن أبي هريرة قال "جعل الله الرحمة مائة جزء. فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءا. وأنزل في الأرض جزءا واحدا. فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق حتي ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه" متفق عليه.)

تلك كانت بدايات سنوات التساؤل.

حسناً، في الحقيقة لا يجيب الدين – أي دين – عن كل الأسئلة. رغم أنه ليس هذا ما يتوقعه منه المؤمن. (نلاحظ أن الإجابات من عينة "الله اعلم" لا تعتبر إجابة حقيقية.)

ويكون عليك عند هذه اللحظة أن تكتفي بالردود التقليدية الجاهزة والتي يمكن أن تكون غير كافية أو مقنعة لك، أو أن تبحث عن دين أو قناعة أخرى تملك إجابات أكثر إقناعاً، أو أن تستمر في البحث والتساؤل، حتي يأتيك اليقين! والحياة اختيارات
.

4

تستطيع أن تبني رؤيتك للعالم على أساس أنه يمكن لأي شخص أن يدين بأي دين، ويأمن النهاية مادام يفعل الخير. ما أجمل ذلك!
يمكنك وقتها أن تعامل "الآخرين" على أنهم على "حق" – أعني حق "ما"! البديل لذلك، وهو ما يترتب عليه ما يحدث في واقعنا، الاعتقاد بأن الحقيقة واحدة فقط، أنت تملكها.
ولكن، حتى عندما تقابلك آية مثل تلك التي تقول: " إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحًا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون" (المائدة:69)، تفاجأ بتفسيرات مبتكرة تلتف حول معناها في أفضل الأحوال، وتنادي بأنها منسوخة في أسوءها! فأين هذا من "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه"؟ أو "إن الدين عند الله الإسلام"؟
الأمر لا يخلو من صعوبة.
اليهودية لا تعترف بالمسيحية، لأنها جاءت بعدها. والمسيحية لا تعترف بالإسلام كذلك، لأنه بعدها، ولكنها تعترف باليهودية. الإسلام كذلك لا يعترف بالبهائية، ولكنه يعترف باليهودية والمسيحية كديانات – مع تحفظه على ما حدث فيهما من تغيير اسماه "تحريفاً".

لا مفر من الاختلاف. ونقرأ في القرآن "َلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ" (المائدة 48)

ما المشكلة إذن في أن نجعل ما لله لله وما لقيصر لقيصر؟ (إنجيل متى 22: 21)

ربما أننا نستبعد ذلك الاحتمال، بأنه ربما أن هناك ما لا نعرفه ويمكن أن نكتشفه يوماً ما. بأنه ليس لدينا كل الإجابات.

بأنه هناك كائنات أخرى. آخرون. وأن الوطن لنا جميعاً، كما أن الحياة لنا جميعاً.

ما أريد أن أقول هو أن العالم يمكن أن يكون أفضل، لكنه لن يكون.

لكن يوجد مع هذا الإيمان آخر بأنه علينا المحاولة. وفقط للحظات قليلة، قليلة بقدر حيلتنا، ربما يمكن أن نعيش تلك الجنة التي نحلمها. نعيشها وحدنا. ونشرك معنا من نحب أحياناً، ومن لا نعرف في أحيانٍ أخرى. لحظات تكفي لجعلنا نستمر، ونواجه جحيمنا المشترك وصانعيه، الذين تفوق مهارتهم "ذكاء قلوبنا"، كما يقول محمود درويش. ويقول كذلك:

"عندما يذهب الشهداء إلى النوم
أصحوا
وأحرسهم من هواة الرثاء
وأقول لهم: تصبحون على وطن
من سحاب ومن شجر
من سراب وماء."

فلتكن تلك هي الأمنية/ الحلم/ الدعاء.
تصبحون على وطن!