سيزيف مصري

في الأسطورة الأغريقية، سيزيف في الجحيم وعقابه أن يرفع صخرة من القاع حتي قمة جبل شاهق، وقبل أن يصل بقليل تسقط منه لأسفل، فيعود ليبدأ من جديد، بلا نهاية. ما أشبه ذلك بنا، أولادك يا بلدي

Sunday, May 03, 2009

فلنشنقهم من أقدامهم هم وخنازيرهم


فلنشنقهم من أقدامهم هم وخنازيرهم
--
أو الأنفلونزا الطائفية




القصة بدأت من أن أكثر من 100 محامي تقدموا بطلب "إلى اللواء حبيب العادلى وزير الداخلية، يطالبونه باعتقال جميع أصحاب مزارع الخنازير كإجراء احترازي، حتى يتم إعدام جميع الخنازير، كما طالبوا باتخاذ التدابير الوقائية السريعة لإحكام الرقابة على جميع المنافذ لمنع تهريب الخنازير والتحفظ على كل المتعاملين مع الخنازير، سواء من يجمعون القمامة أو يخالطون الخنازير، وإجراء الفحوصات عليهم كإجراء إجبارى (اليوم السابع)"
ه

شعرت أن هذا الخبر بالذات تنقصه البراءة التي تنظر لك بعينيها الواسعتين في مثل تلك المواقف المماثلة – مقارنة مثلاً بخبر ذبح كل الخنازير في مصر.

إنفلونزا الطيور وجنون البقر لا تعني أن علينا التخلص من كل الطيور والبقر. الموضوع واضح، مثل أن تتخذ دولة قراراً بمنع نقل الدم ومنع الجنس للتخلص نهائياً من مرض نقص المناعة المكتسب، الإيدز.

يمكن لأي شخص بالطبع أن يفهم موقف المسلمين الواضح من "الخنازير". فالمبررات تبدأ من النص الواضح الذي يحرمها في القرآن وتنتهي بالحقائق الشعبية التي يدفعها بعضهم: "مقرفة"، "شكلها وحش"، "تخيل إن الذكر بتاعها هو الحيوان الوحيد اللي ما عندوش مشكلة إن الأنثي بتاعته تمارس الجنس مع ذكر تاني قدامه"، "توجد ديدان في لحمها"، "بتاكل الزبالة"، ...الخ.

ولولا أسباب معقدة لكان موقفي ليس ببعيد عن هذا، ولكني ليس لدي مشكلة مع الخنازير (وهذا أمرٌ شرحه يطول). ه

ولكن الأمر لا يخلو من وجاهة – رغم كل شيء. كان لي أصدقاء من الأجانب، وعندما كانوا في زيارة لمصر لم يقبلوا أن يأكلوا من لحم الخنازير المصرية، وكانوا يقولون أن تربيتها هنا مختلفة عما يحدث في مواطنهم وأنها لا تتغذي على القمامة كما يحدث هنا لهذا فهم لا يأكلون منها لدواعي صحية.
وهذا صحيح. إذا أتيت بإنسان وعزلته ومنعت عنه الطعام ووضعت له هذه القمامة التي تأكلها الخنازير فسيأكلها بعد أسبوع من الجوع في أصعب الحالات ويومين في أسهلها. فالمشكلة لدي المربيين وليس الخنازير.

تخيلت أنه ستكون هناك "أنفلونزا الخرفان".

هل سيجرؤ أو يطاوع أي من هؤلاء المحامين "قلبه" أن يطلب من السيد اللواء وزير الداخلية طلباً مماثلاً؟ سيكون الأمر مختلفاً، لأن الخرفان ليست كالخنازير عند المسلمين – على الأقل حماها الله من الإنفلونزا ولم يحمي الخنازير.

لا تمثل الخنازير في مصر مصدر خطر للأنفلونزا السائدة في العالم الآن، كما أكد الدكتور حاتم الجبلى، وزير الصحة في لقاء في البيت بيتك. ولكن رغم هذا فكما قال فهذه فرصة لتصحيح الوضع الخاطئ والظروف السيئة لتربية الخنازير – وليست فرصة لإعلان مصر خالية وطاهرة من الخنازير.

ما أراه بين السطور في تلك المبادرة من السادة المحامين هو أنفلونزا طائفية تختلط بالجهل، موقف من هؤلاء "القذرين وخنازيرهم، وكل من يخالطهم. ألا يكفي أننا نتركهم وحالهم ولا نمنع تلك اللحوم العفنة التي يأكلونها حتى يصيبوننا بالإنفلونزا اللعينة؟"

"فلنشنقهم من أقدامهم هم وخنازيرهم"

(من وحي تعبير عظيم على لسان أحد المجانين في فيلم "إسماعيل ياسين في مستشفي المجانين")

والبقية تأتي...

وربما ليس من الأقدام...