سيزيف مصري

في الأسطورة الأغريقية، سيزيف في الجحيم وعقابه أن يرفع صخرة من القاع حتي قمة جبل شاهق، وقبل أن يصل بقليل تسقط منه لأسفل، فيعود ليبدأ من جديد، بلا نهاية. ما أشبه ذلك بنا، أولادك يا بلدي

Saturday, October 15, 2011

لا تلم إلا المجلس العسكري على مشاكل مصر




لا تلم إلا المجلس العسكري على مشاكل مصر




جوشوا ستاتشر، الثلاثاء 11 أكتوبر، 2011

مساء الأحد، تعرضت مظاهرة سلمية لهجوم من أفراد من الشرطة المصرية بملابس مدنية ومن الجيش المصري. بينما مات العشرات وجُرح المئات أذاع التليفزيون المصري أخبارا تحريضية عن أقباط تهاجم الجنود. انتهى كثيرون إلى إلقاء اللوم على الطائفية وليس القيادة العسكرية التي أشرفت على حمّام الدم. الحقيقة أن قدرة المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر على تجنب المساءلة عن أفعاله هو جوهر كل المشاكل في مصر اليوم.
لا زالت خرافة الفترة الانتقالية في مصر راسخة، وتُلقى مسئولية هذا الركود في المرحلة الانتقالية للبلاد على الحركات الاحتجاجية المنقسمة، وعمال القطاع العام الساخطين، وعمال المصانع، والفلاحين في الريف. وعندما لا تكون هذه القصة كافية، فهناك الأحزاب السياسية القديمة ولكن غير الفعالة، والأحزاب الإسلامية المختلفة الطامعة في المنافسة الانتخابية، ومجلس الوزراء الضعيف، حيث يتم جمع كل هؤلاء من أدوارهم الداعمة لتُلقى المسئولية عليهم. سواء هذا أو ذاك، يتم وضع مسئولية هذه المرحلة الانتقالية المتداعية في مصر، وبالكامل، على أعتاب المدنيين الذين صنعوا الثورة. حتى التركيز على الانتخابات البرلمانية، والمواقف السياسية للمرشحين الرئاسيين الحاليين، أو دستور سوف تتم كتابته، لا يتم وضعه في مكانه الصحيح ... على الذين يملكون السلطة بالفعل.


يبدو أن الآراء تجتمع على أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة يتكون من رجال شرفاء حدث أنهم يحكمون بالصدفة، وهم يستجيبون للأحداث على نحو غير بارع، ولا يطمعون في السلطة. وتُلقى مسئولية الفشل المتكرر على عدم الكفاءة وليس تعمّد الأذى. في هذه الرواية، يريد المجلس الأعلى للقوات المسلحة الإشراف على الانتقال للديمقراطية ولكنه يرتكب الأخطاء على نحو متكرر بينما هو يحاول التعامل مع المطالب المتعارضة للشعب قليل الصبر ومع سلسلة لا تنتهي من الأزمات.
لا يقتصر هذا الموقف على الغرب – تظهر استفتاءات الرأي العام في مصر نسبة 90% من الناس تدعم الجيش على نحو ثابت، مما يشير إلى أن استراتيجيتهم تعمل، على الأقل، بدرجة ما.
لا ينبغي أن يتقاسم أي أحد مسئولية هذه الحالة المؤسفة للمرحلة الانتقالية للدولة المصرية. المجلس الأعلى للقوات المسلحة هو المسئول وبدرجة لا تُقارن بأحد، وعليه اللوم بدرجة لا تُقارن بأحد بخصوص الطريقة التي تم بها بناء الفترة الانتقالية. سواء بوضع قوانين جديدة ضد المتظاهرين، أو نشر المحاكمات العسكرية ضد النشطاء والمعارضين على نحو استراتيجي، أو الاستمرار في تطبيق قانون الطوارئ، أو ابتداع قوانين انتخابية تشجّع على عدم التماسك الاجتماعي، أو تنظيم مصادمات ذات صبغة طائفية، أو إرهاب الصحافة ورقابتها، تمثّل مصر تحت حكم المجلس العسكري محاولة لاستمرار ممارسات فترة حكم مبارك بالرغم من التغييرات الاجتماعية التي أطلقتها التعبئة الشعبية للثورة. ليس من قبيل الصدفة أن الكثير من النشطاء الذين شاركوا في ثورة 25 يناير يعارضون الآن وبشدة المجلس العسكري.


لا تدع أفعال المجلس الأعلى للقوات المسلحة على مدار السبعة أشهر الأخيرة مجالا للشك بخصوص استحقاق المجلس للوم. إنهم نخبة نظام لم يتغير إلا جزئيا، يحاولون إعادة بناء النظام بالصورة التي يرونها. بينما يضعف موقفه بسبب مباغتة التعبئة الشعبية غير المتوقعة، لا يزال المجلس العسكري عازما على إعادة تشكيل السلطة التنفيذية بدرجة كبيرة بنفس الطريقة التي كانت تعمل بها السلطة أثناء فترة حكم مبارك. الاختلاف الوحيد أن الآن المجلس العسكري "هو" السلطة التنفيذية.


مفتاح فهم أفعال المجلس هو ألا تراه على هذه الدرجة من عدم الكفاءة. هناك دافع استراتيجي خفي، ولكنه ذو هدف واضح، وراء زيادة المجلس لسلطته لأقصى حد ممكن وتشكيله لنظام يمكنه السيطرة عليه. لا تعمل النتيجة دائما وفقا للخطة، ولكن الجنرالات استخدموا كل فرصة واتتهم لزيادة سلطتهم القانونية لأقصى حد ممكن بطرق لا تؤدي إلى بناء بيئة سياسية تشمل الجميع: كتابة دورهم في الدستور فوق دستوري في مارس، واللجوء للمحاكم العسكرية ضد المتظاهرين المدنيين، ومد قانون الطوارئ، والتغاضي عن وعدهم بترك السلطة في خلال ستة أشهر، والسعي للحفاظ على إعفاء ميزانيتهم من الرقابة البرلمانية، وغيره. سجل الأعمال واضح.
استغل المجلس العسكري الامتيازات العديدة لتولية شئون البلاد لمحاولة إعادة تشكيل السلطة التنفيذية وتعزيزها. يحاول المجلس الأعلى عن طريق إقرار استخدام القمع والتلاعب بالنظام القانوني أن يكون له سلطة "الفيتو" على المرحلة الانتقالية ليضمن أنه لن يحدث تغيير جوهري في النظام في مصر. ولأنه يعمل من وراء مجموعة من المؤسسات تعمل كنقاط تفتيش، فالقنوات الرسمية التي يمكنها أن تُلقي بالمسئولية على المجلس العسكري بسبب أفعاله مغلقة تماما. حتى وعدهم بإجراء الانتخابات ونقل السلطة إلى الحكم المدني كان الهدف منه خفض أي تهديد لسلطتهم لأقصى حد ممكن. يضمن القانون الانتخابي محل الجدل، الذي تم الإعلان عنه من جانب واحد في أواخر سبتمبر الماضي ثم تمت مراجعته تحت الضغط الشعبي، أن يكون للإسلاميين وأعضاء الحزب الوطني الديمقراطي السابق موضع الصدارة، بينما يمد البرنامج الزمني للانتخابات الرئاسية لتكون في 2013.


يجادل البعض بأنه يمكن الوصول لصفقة مقبولة تسمح برئيس مدني ولكن بينما يحتفظ العسكر بمزاياهم، التي تشمل عدم وجود رقابة مدنية على ميزانيتهم أو أي مسائلات لممتلكاتهم الاقتصادية. ولكن، هناك اختلاف قليل بين امتلاك السلطة والاحتفاظ بالامتيازات. ترتيب مثل هذا لن يمكن تمييزه عما كان عليه وضع الجنرالات في مصر مبارك – هذا إن لم يعط الجنرالات مكانة أقوى من هذه التي تمتعوا بها تحت قيادة مبارك.
يبدو أن المجلس الأعلى وحلفاءه الأقوياء في الغرب يرتاحون - أو ربما يتذكرون في حب صورة - لمصر ذات سلطة تنفيذية مسيطرة. وبالفعل، يبدأ بعض من لغة وأفعال مسئولي الولايات المتحدة في العودة للشكل القديم. في يونيو 2009، قال الرئيس أوباما أن مبارك كان "قوة للاستقرار والخير" في المنطقة. قامت وزيرة الخارجية بتعديل الجملة قبل التصريح بأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة "قوة للاستقرار والاستمرار" في مصر، يوم 28 سبتمبر. في هذه الأثناء، نجح وزير الدفاع في سرقة لحظة "عفوية" لعب فيها البولنج مع الجنرال طنطاوي، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، أثناء زيارته للقاهرة في الرابع من أكتوبر.


هذا الموقف الذي توجد فيه محاولات من المجلس الأعلى للقوات المسلحة لإعادة تصميم سلطة تنفيذية مهيمنة وإعادة قائمة مبارك من السيطرة إلى سابق عهدها لن يتركه أصحاب الثورة بلا مسائلة. سيتطلب الأمر ويستلزم وجود تعبئة شعبية مستمرة إذا كان يجب الإنصات للأصوات الديمقراطية. استغلت الحركة الاحتجاجية ما يزيد عن عشر سنوات من التعلم لكي تقهر وتهزم ماديا جهازا كان قسري وقادرا إلى حد بعيد، في يناير وفبراير الماضيين. لن تجلس هذه الحركة مكتوفة الأيدي بينما تشاهد العسكر يواصلون بهدوء بسط سيطرتهم التي فوق المسائلة على الدولة. محاولة المجلس العسكري لفرض الاستقرار والسيطرة على مصر ما بعد الثورة هي، ووحدها، ما يجر البلد إلى هذا الدرك من الأزمات.

جوشوا ستاتشر أستاذ مساعد بقسم العلوم السياسية بجامعة كِنت ستيت. سيصدر كتابه " Adaptable Autocrats: Regime Power in Egypt and Syria" من جامعة ستانفورد في ربيع 2012.

هذه ترجمتي للمقال الذي نشر بمجلة فورين بوليسي الثلاثاء الماضي

0 Comments:

Post a Comment

<< Home